أيها العلماء.. الأقصى يستغيث
|
بقلم: الشيخ حجازي إبراهيم ثريا
إن المسلم البسيط المعرفة، القليل الطاعة، الذي أعجزه توفير رغيف الخبز (الحاف والجاف) لمَن يعول، البعيد عن الاهتمام بأمر المسلمين من حوله لاستهلاكه في توفير ضروريات حياته..
هذا المسلم البسيط يهوله ويفزعه ما يلقى إخوانه في أرض الرباط والجهاد من عدو استحال قلبه حجرًا.. هذا المسلم يفقد رشده ووعيه لما يراه من حكام العرب والمسلمين من صمت القبور، الذي حلَّ بهم، أمام الفظائع التي حلَّت بالولدان والنساء والكبار والصغار، ولسان حالهم يصرخ ويستغيث بكل مسلم: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)﴾ (النساء).
هذا المسلم يصيح من أعماق قلبه: أين علماء الأمة المخلصون؟
قديمًا قال الأزهر كلمةَ الحق مدويةً فتجاوبت معها جنبات الأرض، ودعا إلى الجهاد فلبَّى القاصي والداني من المسلمين في الشرق والغرب.
قديمًا رأى الفرنسيون أن المقاومة لن تهدأ إلا بالقضاء على الأزهر فدخله بخيله.. وعاث فيه فسادًا.. فانبرى لهم سليمان الحلبي وصرع قائدهم فاندحروا على أعقابهم خاسئين.
إن صرخة حق من هؤلاء تردع الحكام.. وتلقي بالرعب في قلوب الأعداء خوفًا من غضبة شعب عارمة، يقودها العلماء المخلصون.. وما العز بن عبد السلام عنهم ببعيد
يا علماء الأمة:
لا ترهبوا غير الله ولا تخشوا سواه، وأنتم تُعَلِّمُون الناس أن الرزق والأجل، والعز والذل، والرفع والخفض.. لا يكون إلا من مالك الملك: ﴿قُلِ اللهمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)﴾ (آل عمران).
وهذا يمنحكم اليقين أن البشر لا يملكون وصل ما انقطع، ولا إعطاء ما منع، ولا إذلال مَن عز، ولا رفع مَن اتضع، فلنقل جميعًا وأنا منكم ومعكم، كلمة الحق، ولا نخشى في الله لومة لائم، ولنعلن الحق على الناس، ولنبين لهم الهدى في وضوحٍ وجلاء، وحسبنا في ذلك الله ونعم الوكيل، وحسبنا الله ونعم المولى ونعم النصير.
وإن لم نفعل ذلك، فقد يلحق بنا وعيد الله في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)﴾ (البقرة).
يا علماء الأمة:
الشيخ حجازي إبراهيم |
والله إني لكم لناصح أمين، ووالله إني لمشفقٌ عليكم من وقفتكم بين يدي الله، وسؤالكم عن صمتكم وقعودكم عن نصرةِ المجاهدين في سبيل الله.
علم الله أنني أريد بنصيحتي هذه الخير لكم، فمن غيركم يقود الدعوة إلى الإصلاح، ويقف في وجه الحكام المستبدين المفسدين، بكلمة حق عند سلطان جائر، وأن يتقدم قافلة المجاهدين على أرض فلسطين، ولكم أسوة كريمة في علماء ربانيين تخرجوا من الأزهر ليس من مصر فقط بل ومن غيرها، وقادوا الجهاد على أرض فلسطين، رحم الله فقيه العصر الشيخ سيد سابق، والشهيد والواعظ والعالم محمد فرغلي، والدكتور مصطفي السباعي من سوريا ومحمد محمود الصواف من العراق وغيرهم كثير.
يا علماء الأمة:
كلمة الحق لها وقتها وأوانها، وتهب الخلود لمَن قالها، ولو قُتل بسببها.
نعم الخلود والحياة؛ حيث يظل يذكركم كل إنسان- المسلم والكافر- بالشجاعة والقوة التي جعلتكم لا ترهبون سوى الله الواحد القهار.
الخلود والحياة.. حين تبعثوا بالأمل والحياة في نفوس الشعوب المسلمة بأن هذا الدين لم يمت ولن يموت.
الخلود والحياة.. بالنور الذي يشعُّ من فؤاد مَن ينظر إليهم العالم كله على أنهم ورثة الأنبياء، وحماة الإسلام ودعاته، والمدافعون عن الإسلام وحياضه.
هذا النور يذهب ظلمات الباطل، وتيه الضلال، وطغيان الاستبداد، وظلم المتألهين، وعبث المفسدين، ويجعل الطريق واضحةً بينة، فيتبعكم كل المسلمين لا يبالون أن يقع الموت عليهم، أم يقعوا هم على الموت.
وكيف لا وهذا يمنحهم الخلود والحياة.. مع سيد الشهداء، ويرتقي بهم إلى منازل النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
وما حسن البنا وعبد القادر عودة، ومحمد فرغلي وسيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل وغيرهم عنكم ببعيد..
يا علماء الأمة:
إن حمايةَ الأقصى وعودة فلسطين منوط برقابكم، وفرض عين وواجب عليكم، فأنتم حملة الرسالة، وكم تمنيت أن يأتي اليوم الذي ينادي فيه العلماء بالجهاد، وأن يتكون منهم أول قافلة للجهاد، وتُسمَّى كتيبة العلماء أو كتائب، فليس عددنا بقليل.
وحتى يأتي هذا اليوم، فإن الواجب عليكم أن تبينوا للأمة دورها في نصرة فلسطين، واسترداد المسجد الأقصى من الصهاينة المغتصبين، وتتقدموا ركبها لتحرير فلسطين، وهذا بيان ملخص لما يجب أن تبينوه للناس ولا تكتمونه:
(1) بيان الواقع المر الذي يعيشه أهلنا في غزة والضفة
إن حصار أهل غزة.. وأصوات نسائهم وأطفالهم من الجوع والظمأ تصم آذان العالم.. وآهات المرضى والجرحى لا تجد قلبًا رحيمًا يضمد جراحها ويخفف آلامها.. ناهيك عن القتل الذي لا يميز فحصد الأطفال والنساء والشيوخ..ومن بقي منهم صار إلى العراء والفضاء.
وأما الدمار الذي لحق بالمساجد والبيوت والمؤسسات الوطنية وهيئات الإغاثة الأممية، والإهلاك للزرع والضرع، فقد شاهده كل العالم لحظة وقوعه، كما شاهدته كل الوفود التي دخلت إلى غزة.
ثم أليس مَن يسعى إلى تخفيف الحصار يفدون إليهم من الغرب، وكثير منهم لا يدين بالإسلام؟ وأليس من يشدد الحصار ويحكم الإغلاق دول الجوار وهم عرب ومسلمون؟.. ولا ندري لمصلحة مَن يعتقل كل مَن ساهم في تقديم المساعدات الغذائية والدوائية لأبناء غزة المنكوبين في حرب لم تبقِ ولم تذر.
وما يجري في الضفة ليس بأهون مما يقع في غزة بل ربما كان أشد.. فالتعاون بين الصهاينة المحتلِّين، وأجهزة أمن السلطة قائم على قدم وساق، ولا فرق بين سجون السلطة وسجون الصهاينة من تعذيب كل حر مجاهد، وربما كان تعذيب السلطة أشد وأنكى، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
وإغلاق المؤسسات الأهلية الخيرية والهيئات الإغاثية، وتشديد القبضة على الجامعات والمدارس بالضفة يزيد أهلها فاقةً ومرضًا وجهلاً، ولا نملك أن نستفيض في الحديث عن الواقع المر فهو حي ملموس مشاهد.. يستطيع العالم الصادق أن يتزود به من متابعة وسائل الإعلام المتنوعة.
(2) بيان ثوابت القضية الفلسطينية التي لا يصح التفريط فيها
(أ) إن فلسطين والقدس جزءٌ من عقيدة الأمة الإسلامية.. والتفريط فيها تفريط بكتاب الله وحضارة الأمة وعقيدتها.
(ب) قضية فلسطين أمانة في عنق كل مسلم: الانتصار لها واجب، والدفاع عنها فريضة، والتفريط فيها جريمة في حقِّ الدين، ووصمة في جبين الإنسانية، وأن الانتصار لخصومها ومغتصبيها والمعينين لها خروج عن الوحدة التي أمر الله بها: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)﴾ (الأنبياء: 92)، بهذا أعلن أعضاء المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية المجتمع في غزة سنة 1966م.
(ج) التودد إلى الصهاينة ومَن ساندهم وأيَّدهم حرب لله ولدين الله وللمسلمين: وهذا ما أعلنه أيضًا نفس المؤتمر السابق: "أن التودد للصهيونيين ومَن والاهم والتعامل معهم حرب لله ولدين الله وللمسلمين.
ويطالبون بأن تسحب الدول الإسلامية التي اعترفت بإسرائيل هذا الاعتراف، وأن تقطع الدول والشعوب الإسلامية التي تتعامل معها هذا التعامل: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: من الآية 63).
(د) إن التنازل عن أي جزءٍ منها لليهود أو لغيرهم، بل إن مجرد الاعتراف بأي حقٍّ لغير المسلمين فيها، ليس ملكًا لشخص، أو جهة، أو دولة، بعد فتح المسلمين لها، وإقرار الله لنا فيها.
(هـ) إن فرض سلطان غير سلطان المسلمين على المدينة المقدسة، يعد في منطق الحق والخير والعدل والتاريخ إطفاءً لضوء الشمس في وضح النهار، وخروجًا على قواعد الدين، فقد أفتت لجنة ممثلاً فيها المذاهب الأربعة بأن: أن الصلح مع إسرائيل- كما يريده الداعون إليه- لا يجوز شرعًا لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بأحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه، وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله وحثت صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه، ففي الحديث الشريف: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" (1). "ومَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" (2)، وفي حديث آخر: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ" (3).
(و) يجب على المسلمين التعاون لاسترداد فلسطين والمسجد الأقصى، فقد أفتت نفس اللجنة بأنه يجب عليهم: أن يتعاونوا جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله، وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية من أيدي هؤلاء الغاصبين وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد في هذا السبيل وأن يبذلوا فيه كل ما يستطيعون حتى تطهر البلاد الإسلامية من آثار هؤلاء الطغاة المعتدين قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: 60).
ومن قصر في ذلك أو فرَّط فيه أو خذل المسلمين عنه أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام وضد هذا القطر العربي الإسلامي فهو- في حكم الإسلام- مفارق جماعة المسلمين ومقترف أعظم الآثام.
(ز) إن الجهاد فرض عين على جميع المسلمين لاستردادها يستوي في ذلك المسلم العربي وغير العربي؛ فالجميع مطالب بصيانة مقدساته، وفي مقدمتها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي- صلى الله عليه وسلم- ومعراجه.. وعلى ذلك أجمع علماء المسلمين؛ حيث أكد علماء المسلمين في مؤتمرهم السادس سنة 1971م بأن: الجهاد بالنفس والمال أصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة؛ ولذلك يدعو المؤتمر المسلمين جميعًا أينما كانوا إلى النفير العام.
(3) التعريف بصفات اليهود في القرآن الكريم
من الثوابت التي لا يمكن أن يماري فيها مسلم، أو يشك فيها مؤمن أن كل ما جاء في القرآن الكريم حق يجب أن يُتبَّع، وهدًى ونور يبدد الظلمات، وتنقشع معه الضلالات، ومن اتبعه هدي إلى صراط مستقيم.
وعلى مَن يرغب في التفاوض مع الصهيونية المتعصبة أن يقف على ما يحكيه القرآن الكريم من صفات وخصائص لصيقة باليهود، وضاربة بجذورها في نفسيتهم، وتجري في شرايينهم مجرى الدم في العروق، وأنها لم تنفك عنهم في الأجيال المتعاقبة، والتاريخ شاهد صدق ينطق بأن كل ما جرى في الأرض من فساد وحروب وسفك للدماء في المرحلة الأخيرة من تاريخ البشرية كانت الصهيونية الماكرة من ورائه، وما يقع على أرض فلسطين الحبيبة ليس عنا ببعيد، ولا يخفى علة من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وإن مَن يجلس من المسلمين للتفاوض مع الصهاينة، دون أن يسمع للحق الذي نزل من عند الله بشأن هؤلاء، فإنه لن يرجع إلا بالخيبة والحسرة، ولن يدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان.
والقرآن الكريم هو الحق الذي لا يعتريه تحريف ولا تبديل؛ وذلك لحفظ الله إياه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾ (الحجر).
وفي القرآن الكريم نور وضياء يكشف للمسلمين الأصدقاء من الأعداء، ومَن يحق لهم الحب والولاء، ومَن يجب لهم البغض والعداء.
ومع اشتداد الصراع بين المسلمين واليهود في هذه الأيام وجب علينا أن نذكر ببعض المعالم القرآنية التي حواها القرآن الكريم عن اليهود وخصائصهم؛ حتى لا ينخدع بهم من يجري وراء ظله، أو يركض خلف سراب، أو يلهث لعقد سلام مع اليهود، ولن يحصد إلا الوهم، ولن يجني إلا المر، ولن يرجع إلا بخفي حنين.
وانطلاقًا من هذا الثابت الذي: ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾ (فصلت) سوف نضع بين يديك أيها المسلم الصادق الإيمان، ما كشف الله لنا من حقائق عن اليهود حتى نكون على بصيرة، ونحن نتعامل مع هذا الصنف الغريب من الجنس البشري، ونتبين السبيل السوي لردع هؤلاء، ووضع حد لطغيانهم وفسادهم.
أولاً: اليهود يصفون الله بما لا يليق
اليهود تطاولوا على ربهم ووصفوه بما لا يليق بجلاله وكماله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا﴾ (المائدة: 64).
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (آل عمران: 181).
ثانيًا: قتلة الأنبياء
اليهود لم يسلم منهم الأنبياء والمرسلون، ولم يكتفوا بالنيل باللسان وإنما قتلوهم بالسنان، فهم قتلة الأنبياء ومكذبو الرسل، وبالتالي فإن مَن يتجرَّأ على قتل الأنبياء إذا جاءوهم بغير ما تهوى قلوبهم، لن يتورع عن سفك دماء مَن يقف من البشر أمام تحقيق أطماعهم وما تهواه أنفسهم: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ (البقرة: 87).. هذا شأنهم مع الأنبياء والرسل، قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسلم نبينا- صلى الله عليه وسلم- من ذلك؛ وذلك تجده في كتب السيرة حيث تآمروا على قتله في بني النضير (4)، وقصة الشاة المسمومة معلومة (5).
أما حالهم مع أتباع الرسل والأنبياء، فليس قتل الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي ويحيى عياش وأبو شنب وآخرهم محمود المبحوح في دبي وغيرهم كثير.. فليس قتل هؤلاء إلا امتدادًا لتلك الطبيعة التي ترى سعادتها في سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وإهلاك الحرث والنسل.
ثالثًا: ينقضون العهود:
اليهود ديدنهم نقض العهود ونبذ المواثيق فهم لا عهدَ لهم وما يعقده أحدهم ينقضه الآخر: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (البقرة: من الآية 100).
ولقد تحققت وتتحقق هذه الآية في سلوكهم قديمًا وحديثًا.. فقديمًا نقضوا عهودهم ومواثيقهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم فأجلاهم عن المدينة.
وحديثًا لم ينفذوا شيئًا من عهودهم، ويكفي أن يعلم المسلم أن كل القرارات الموثقة في الأمم المتحدة يتحلل منها الصهاينة، ويتحايلوا على الالتفاف عليها.. وهذا جلي واضح ولا يحتاج إلى بيان.
رابعًا: يفسدون في الأرض ويشعلون الحروب
اليهود يسعون في الأرض بالفساد وإشعال الحروب، فهم من وراء كل الحروب التي اصطلت وتصطلي البشرية بنيرانها، وهم أساس كل الفساد في الأرض: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة: من الآية 64).
في صدر الإسلام كانت غزوة الأحزاب نتاج تدبيرهم ومكرهم، وفي العصر الحديث كانت الحرب العالمية الأولى والثانية، بدسائسهم، والعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م، وحرب 67 والحرب على فلسطين المستمر وحربهم على لبنان المتكرر، ودورهم في الحرب على العراق.. معلن لا ينكر.. كل هذا وغيره لا يخفى على ذوي الألباب.
خامسًا: أشد الناس عداوة للمسلمين
إن عداوة اليهود للمسلمين شديدة، وسعيهم للتخلص من المسلمين قديم جديد: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: 82)، والعدو لا يؤمن ولا يؤتمن.
سادسًا: يسعون لردنا عن ديننا
اليهود لن يرضوا عن المسلم إلا بردته عن الإسلام، ودخوله في دينهم: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...﴾ (البقرة: من الآية 120)، وهم لا يدخرون جهدًا في سبيل وصولهم إلى ذلك، بالكلمة تارةً وبالحرب تارةً أخرى.. قال تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة: من الآية 217).
سابعًا: لا يحبون المسلمين
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)﴾ (آل عمران)، اليهود لن يحبونا حتى لو أحببناهم من كل قلوبنا: ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)﴾ (آل عمران).
ثامنًا: اليهود والنصارى لا يوالون المسلمين
الولاء بين اليهود والنصارى حقيقة ثابتة، وواقع مشاهد، ولا يجوز للمؤمنين موالاتهم؛ لأن ذلك يخرجنا من قافلة الإيمان ويدخلنا في صفهم، ولا يسارع إلى التعلق بأذيالهم إلا أصحاب القلوب المريضة؛ حرصًا على أمنهم وسلامتهم، وخشية أن يقع بهم ضرر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)﴾ (المائدة).
تاسعًا: اليهود ملعونون
لكل المعاصي السابقة وطبيعة الاعتداء التي لا تفارقهم وغيرها حلَّت بهم لعنة الله.. قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)﴾ (المائدة).
عاشرًا: اليهود غضب الله عليهم وضُربت عليهم الذلة والمسكنة
قال الله تعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)﴾ (البقرة).
وقال الله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ 112﴾ (آل عمران).
حادي عشر: اليهود يسامون العذاب إلى يوم القيامة
وقد توعَّد الله اليهود بتأديبهم في كل عصر بأن يرسل عليهم سوط عذاب، ليكف شرهم عن الإنسانية، ويخلص البشرية من أذاهم: قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)﴾ (الأعراف).
يقول الإمام الفخر الرازي: بعد أن بيَّن الله قبائح اليهود ذكر في هذه الآية أنه تعالى حكم عليهم بالذل والصغار إلى يوم القيامة، فقوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ تنصيص على أن العذاب ممدود إلى يوم القيامة؛ وذلك يقتضي أن ذلك العذاب إنما يحصل في الدنيا (6).
ثاني عشر: اليهود لا يقاتلون إلا في حصون أو من وراء جدر
إن اليهود يحبون الحياة حبًّا شديدًا، ويخافون من الموت خوفًا مستطيرًا، ومن ثَمَّ تجدهم جبناء رعاديد، لا يقدرون على المواجهة في الحروب.
وهذه حقيقة ثابتة لهم وخاصية متأصلة في فطرتهم إلى يوم القيامة قال الله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: 96). وقال تعالى: ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)﴾ (الحشر).
هذه طبيعة الواقع يؤكدها، وأن اختلفت نوعية الحصون.. في القديم حصون مبنية من جذوع النخل أو اللبن، والآن يحتمون بحصون مسلحة، ويقيمون الجدار ليحتموا به ويقاتلوا من خلفه، أو يقاتلون في عربات مدرعة أو دبابات أو طائرات.
والأدهى من ذلك والأمر الآن، أنهم يحتمون بحصون من البشر، حين قاموا من قبل بوضع حزامٍ أمني في جنوب لبنان، وضعوا فيه الميليشيات العميلة لتكون حاجزًا بينهم وبين حزب الله.
ولعل اتفاقية غزة أريحا كانت خطوةً على نفس الطريق؛ حتى يجعلوا من الفلسطينيين من فتح ساترًا بينهم وبين الجند المجاهدين الذين أقضوا مضاجعهم، وأذهبوا بأمنهم، وبددوا أحلامهم في دولتهم الكبرى.
وفي حربهم الأخيرة على غزة الصمود، كانوا يسوقون النساء والأطفال والشيوخ أمامهم؛ لتكون درعًا لهم، كما كانوا يحمون الناس في بعض غرف المنزل الذي يتحصنون به.
ثالث عشر: اليهود لا يقبلون بالحق إلا بالقوة
مع تعدد آيات الله، وتوالي البينات الساطعات، فإنهم لم يقبلوا بالتوراة ولم يأخذوها، إلا بعد أن رفع الجبل على رءوسهم قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأعراف: 171).
يقول القرطبي: "وسبب رفع الطور أن موسى عليه السلام لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح فيها التوراة قال لهم: خذوها والزموها. فقالوا: لا! إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك، فصعقوا ثم أحيوا.
فقال لهم: خذوها. فقالوا: لا. فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلاً من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله، وكذلك كان عسكرهم، فجعل عليهم مثل الظلة، وأتوا ببحر من خلفهم، ونار من قبل وجوههم، وقيل لهم: خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيعوها، وإلا سقط عليكم الجبل.
فسجدوا توبةً لله وأخذوا التوراة بالميثاق.
رابع عشر: اليهود مماطلون
اليهود قوم مطل ما كلفهم الله بشيء إلا تقاعسوا عن تنفيذه، وأكثروا من السؤال حوله، لا للبيان والتعرف على مراد الله، ولكن للهرب من التكليف والتقاعس عن التنفيذ، وما قصة البقرة إلا خير شاهد، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (البقرة: 67).
وعرض هذا القصص فيه تحذير للمسلمين من أن يسلكوا درب هؤلاء؛ ولذلك يختم الحديث عن بني إسرائيل في هذا السياق بقول الله تعالى: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ (البقرة: من الآية 108).
خامس عشر: اليهود يتحايلون للالتفاف على الحق
ومن طبائع اليهود المتأصلة فيهم أنهم لا يدخرون جهدًا في سبيل الوصول إلى مآربهم، وتحقيق مصالحهم، ولو كان ذلك بالخروج على كل شرعية، وما قصة يوم السبت وتحريم الاصطياد فيه، إلا مثال واضح على ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)﴾ (الأعراف).
يقول الإمام القرطبي: "حرَّم عليهم تبارك وتعالى الصيد في يوم السبت، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شُرَّعًا، أي ظاهرة، فسدوا عليها يوم السبت، وأخذوها يوم الأحد، وكان السد ذريعة للاصطياد، فمسخهم الله قردة وخنازير، وذكر الله لنا ذلك في معنى التحذير عن ذلك" (7).
وفي عصرنا أصدر الحاخامات فتوى بجواز العمل يوم السبت.
هذا غيضٌ من فيض جاء به القرآن الكريم لكشف حقيقة أعدى أعدائنا، وكشف خصائصه، وفضح أساليبه لنحذر منه، فهل تعقل أمة القرآن ما جاءها من ربها، وتضع سياساتها في التعامل مع هذا العدو اللدود وفق هذا المنهج الرباني، والبيان القرآني، حتى تتمكن من دحره ورده على أعقابه من حيث أتى خاسئًا وهو حسير.
(4) تدريس تاريخ اليهود للمسلمين
يجب التركيز على تاريخ اليهود منذ فجر الإسلام، وعداؤهم المتواصل للمسلمين، والحديث عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم نحوهم خيبر وقريظة وبني قينقاع، وتأليب الأحزاب وتجميعهم لاستئصال شأفة المسلمين من المدينة، ولعل التاريخ يعيد نفسه حيث يؤلبون العالم اليوم لاستئصال الإسلام المقاوم بعد أن ألبسوه ثوب الإرهاب.. وما دورهم في إشعال الحرب في العراق وفي أفغانستان وغيرهما بخافٍ عن أحد.
ويمكن مدارسة ذلك وبيانه من خلال كتب السيرة وتفسير القرآن الكريم من سورة الأحزاب وسورة الحشر وغيرهما...
(5) رسم طريق الخلاص
أ - حتى يمدنا الله بنصره، ويكشف عنا الغمة، ويُمكِّن لنا في أرضه، لا بد من توثيق الصلة بالله، والسير على طريقه المستقيم بحسن العبادة، وكمال الاستعانة به، والتوكل عليه، والانقطاع عن غيره.
ب- وإذا كان أعداؤنا يعملون على تمزيق هذا الصف، وقطع المسلمين بعضهم عن بعض.. فواجبنا أن نتحد ولا نتفرق.. ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103)، وأن نطيع الله ورسوله ولا نتنازع: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾ (الأنفال).
ج- الاتحاد بين أبناء فلسطين فرض لازم، وواجب مؤكد، لمواجهة المخططات الصهيونية، والفرقة بينهم إثم، والتنازع الواقع شر مستطير، يأتي على الأخضر واليابس، فليتق الله مَن يمدون أيديهم لليهود ويتأبون أن يمدوها لإخوانهم رغبًا ورهبًا في عدوهم وعدو كل المسلمين والعرب.
هـ- أيها الحكام العرب المسلمون.. أيها المسلمون في كل مكان.. عار على أمة قوامها مليار ونصف ألا تهب لنصرة مليون ونصف من إخوانهم في غزة- أخوة عقيدة وقومية وجنس وجوار-.. بينما يأتي أقوام من الغرب والشرق لفك الحصار وكسر الطوق عن المظلومين في غزة، والنائب الكفيف البصير البريطاني غير المسلم- رغم أنوف المليار والنصف في الوحل والطين- والله لا عذرَ لكم بعد ذلك وارحموا أنفسكم حتى لا تبوءوا بإثمنا وإثمكم، ولئن قعدتم أنتم عن الجهاد، وتقديم العون، فخلوا بيننا وبين القوم، وافتحوا الحدود، وسيكون انتصارنا عز لنا ولكم، ولن يكون إلا الانتصار لأنه وعد الله الذي لا يتخلف: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين﴾ (الروم: 47).
هذا هو السبيل الوحيد لاسترداد المقدسات، وعودة المغتصبات، وصيانة الدماء والأعراض وحفظ الأموال والممتلكات، كما أنه الطريق الأوحد لعودة الأمن والسلام للمنطقة والعالم كله، وكل ضرر في سبيل تحقيق هذه الغاية أذًى قليل، وألم بسيط يهون ويحتمل في سبيل تحقيق النصر، والتمكين للإسلام والمسلمين، وإنقاذ البشرية المعذبة من الحروب التي تشعلها الصهيونية، وتخليصهم من الفساد اليهودي الذي أكثروا منه في البلاد: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ﴾ (آل عمران: 111)، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ الله يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6)﴾ (الروم )، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51).
يا أهل الرباط والجهاد في فلسطين..
اتحدوا فيما بينكم، وانبذوا الخلافات، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين، ولا تركنوا إلى أعدائكم، فلا خيرَ يرجى من ورائهم.. ولا تخافوا من عدوكم: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾ (آل عمران)، ولا تخشوا بأسهم: ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (التوبة: من الآية 13).
ولا تخشوا الحصار ولا قطع المعونات، فالله خير الرازقين، وقد تكفل بأهل الشام: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ".. إِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ" (رواه أبو داود)، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾ (ق).
يا علماء الأمة:
ما سبق يمكن للعلماء أن يجعلوه محورًا لكل حديث، وكل خطب، وكل خاطرة، في المسجد وغير المسجد، حتى تصير قضية فلسطين شغل الناس الشاغل، وحتى تصحح المفاهيم المغلوطة عندهم من أن فلسطين للفلسطينيين، والجهاد عنها واجب عليهم فقط، ويكفيهم منا الدعاء، ولا شيء علينا بعد ذلك.
وإن ذلك لا يتأتى منكم، ولن تُصْغِيَ له القلوب، ولن تكون له آثاره الطيبة المباركة، وثمرته المرجوة، إلا بعد أن تصير قضية فلسطين شغلكم الشاغل، وهمكم الأكبر، وأنها عندكم ملء السمع والبصر والفؤاد، وأنها عضو قد قطع من جسمك، وأن جسمك لا عافية له إلا بعد أن يلتئم به، وكما قيل من قبل: "ليست النائحة كالثكلى".
إن رسالتكم أيها العلماء خطيرة، ومهمتكم عظيمة، ودوركم كبير، وسؤالكم بين يدي الله عن علمكم عسير، وأجركم عند الله عظيم، فاحملوا الرسالة، واقدروا مهمتكم حق قدرها، وأدوا دوركم المنوط بأعناقكم، تنجوا من هول السؤال في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ويكون الفوز والنعيم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وليكن شعاركم ونيتكم وأنشودتكم التي تترنمون بها أيها العلماء:
في القدس الملتقى.. في القدس الملتقى.. في القدس الملتقى..
شهادة على أعتابه، أو صلاة في رحابه، شهادة على أعتابه، أو صلاة في رحابه، شهادة على أعتابه، أو صلاة في رحابه، آمين آمين.
بارك الله فيكم أيها العلماء الأجلاء، وسدد خطاكم في نصرة فلسطين، وأعانكم على نشر الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله، ووفقكم الله لقول كلمة الحق دون أن تخشوا في الله لومة لائم.. ومنحكم القوة لتقدم ركب المجاهدين.
فهذا طريق النجاة والخلاص.
-----------------------------
(1) فتح الباري، 5/123 (2480) ك: المظالم، ب: من قاتل دون ماله. صحيح مسلم، 1/124 (141/226) ك: الإيمان، ب: الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره. فيهما عن عبد الله بن عمرو.
(2) سنن أبي داود، 4/246 (4772) ك: السنة، ب: قتال اللصوص. والترمذي، 4/14 (1421) ك: الديات، ب: فيمن قتل دون ماله فهو شهيد. سنن النسائي، مرجع سابق 7/116 ك: تحريم الدم، ب: من قاتل دون أهله،.
(3) أخرجه الترمذي 3/566 (1266) ك: البيوع، ب: في أن العارية مؤداة. سنن ابن ماجه، 2/802 (2400) ك: الصدقات، ب: العارية..
(4) ابن هشام، السيرة النبوية، 3/108.
(5) لمرجع السابق، 3/218.
(6) تفسير الفخر الرازي 15/41.
(7) القرطبي 2/58. وانظر في ظلال القرآن
0 التعليقات:
إرسال تعليق