كثيراً ما تلتقط عدسات المصورين مشاهد لهؤلاء المستعربين أثناء قيامهم بأعمالهم الشنيعة ضد الفلسطينيين العزل ومع ذلك لا تتم إدانتهم أو حتى الاحتجاج على جرائمهم وبعضهم من ذوي الملامح الشرقية أو يتم التعامل بالماكياج ليظهروا كذلك ويدخلوا الأراضي الفلسطينية بلباس عربي مدني، والبعض الآخر من ذوي الملامح الغربية يدخلون كصحفيين أجانب يحملون معدات الصحافة بأكملها، وهم يهاجمون متخفين أهدافاً بالعمق الفلسطيني، ويمشون بين الناس في المظاهرات أو حتى الجنازات إلى أن يصلوا إلى موقع المواجهات، فيبادرون برشق الحجارة على الدوريات الصهيونية فيتجمع الفلسطينيون حولهم ويرشقون الحجارة دون أن يعلموا بوجود مستعربين’ يقول الباحث قديح.
قال، د. سمير محمود قديح، الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، إن ‘المستعرفيم’ كلمة عبرية تعني ‘المستعربون’، وهم مجموعة من القتلة المحترفين المدربين جسدياً وسيكولوجياً على القتل دون تردد ومن دون أي التزام بعمل أجهزة الأمن، ويستخدم هؤلاء المستعربون في عملياتهم القذرة داخل الأراضي الفلسطينية سيارات عربية يستولون عليها، سواء سيارات حكومية أو عمومية أو شاحنات يعترضونها ليقوموا بأعمالهم الدنيئة من اغتيالات واعتقالات، وينفذون اغتيالاتهم بمساندة قوات الاحتلال من دوريات أو قوارب أو طيران وكان آخر أعمالهم في بيت لحم.
وأضاف قديح أنه وبالرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها الفلسطينيون لكشف العملاء والخونة وكذلك المستعربين الذين يندسون بين الصفوف لتحقيق أهدافهم الخبيثة، إلا أن اكتشاف هؤلاء المستعربين من الصعوبة بمكان، حيث إنهم يقومون بإصدار هويات فلسطينية مزيفة، ويستخدمون السيارات العربية ويجيدون الحديث باللهجة الفلسطينية.
وكانت مصادر صهيونية حسب قديح، قد كشفت النقاب عن البدء بتجنيد نساء في وحدات المستعربين ‘دوفدوفان’ في الجيش الصهيوني، العاملة في منطقة القدس المحتلة ، نظراً للحاجة إلى وجود نساء في تنفيذ عمليات مختلفة، وأنه في المرحلة الأولى ستعمل ‘المستعربات’ في وظائف جمع المعلومات الاستخبارية إلى جانب المقاتلين، وإذا نجحت التجربة في منطقة القدس، فإنه سيتم التفكير بتوسيع نشاطهن إلى وحدات مستعربين تعمل في مناطق أخرى.
وحسب المصادر ذاتها، قال قديح، إن قرار ضم نساء إلى هذه الوحدات التابعة لما يسمى حرس الحدود ‘وحدات تضم الأسوأ والأقل انضباطاً من الجنود، والذين أدين عدد كبير منهم بممارسات في منتهى الوحشية ضد المواطنين الفلسطينيين، ومن ضمنهم عدد كبير من الجنود الدروز’، جاء بعد أن تبين أنهم في هذه الوحدات يضطرون غير مرة إلى وجود نساء في سياق جمع المعلومات والاستعدادات للعمليات المختلفة.
وبعد ذلك ينقض هؤلاء المستعربون على الشبان الفلسطينيين بالضرب على الرأس والوجه خاصة، ويقيدونهم ويشهرون في وجوههم المسدسات ويلقون بهم في إحدى دوريات جيش الاحتلال الذي يساندهم ويراقبهم ويسهل لهم عملهم ومن ثم يقتادون هؤلاء الشباب إلى السجون والمعتقلات.وبين قديح، أن وحدات المستعربين تعتبر أهم الوحدات الخاصة لدى الاحتلال، حيث أن عمليات الاعتقال، والاغتيال تتطلب جرأة، وشراسة، مما يتطلب اختيار هذه العناصر، بعناية، وبشروط خاصة مثل إجادة اللغة العربية وإطلاق النار، وأن يكون أفرادها قريبي الشبه بالفلسطينيين من حيث الملامح، والملابس، حسب الحالة، ويتم تسليح أفراد هذه الوحدة ببنادق أوتوماتيكية صغيرة.
وقال قديح: قامت وحدات المستعربين باغتيال أكثر من 200 ناشط فلسطيني، منذ عام 1987 حتى عشية اندلاع انتفاضة الأقصى وعادت تلك الوحدات إلى نشاطها، بقوة كبيرة، خلال عملية ‘الجدار الواقي’ في الضفة الغربية، ما تسبب في اعتقال واغتيال العشرات من القادة الفلسطينيين.
[ 27/03/2010 - 05:18 م ] |
كان اتساع نطاق الانتفاضة الكبرى عام 1987 جغرافياً بشمولها لمختلف أنحاء الضفة والقطاع من مخيمات وقرى ومدن، واجتماعيا بشمولها لمعظم الفئات والطبقات دافعاً لدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي لنشر أعداد متزايدة من القوات العسكرية وصل إلي حوالي عشرة أضعاف عدد هذه القوات من قبل. ومعني ذلك أن الأراضي المحتلة أصبحت بمثابة جبهة جديدة ذات طابع مستديم حتى وإن هدأت الانتفاضة. وإزاء ذلك، أصبح علي الجيش الإسرائيلي أن يحتفظ بأعداد كبيرة من قواته في حالة استعداد دائم، متبعاً طرقاً ووسائل متنوعة لمواجهة الشبان الفلسطينيين. جاء تفعيل دور فرق الموت التي شكلها الجنرال إيهود باراك عام 1986 كسرية مقاتلة في الجيش النظامي، ليضع الوسائل والتكتيكات الحربية التقليدية والأساليب القمعية في مسار نوعي جديد، حاول الإسرائيليون من خلاله إعادة الحياة لبعض الممارسات الإرهابية التي نفذتها الحركة الصهيونية في فلسطين والبلاد العربية منذ بداية الأربعينات من القرن الماضي. من المعلوم أن فرق الموت التي تعرف باسم مستعريفيم (المستعربون) تجسدت بأشكال شتي داخل التنظيمات العسكرية للمنظمة الصهيونية العالمية، وأبرزها تلك الوحدات التي كانت جزءاً من البالماخ، واستهدفت الحصول علي معلومات وأخبار والقيام بعمليات اغتيال للعرب عندما تصدر الأوامر إليها، من خلال تسلل أفرادها إلي المدن والقرى العربية متخفين كعرب. وكان أفراد (هشومير) يعتبرون تقليد حياة البدو والتكيف مع أسلوب حياتهم وثقافتهم مع المحافظة علي القيم القومية اليهودية أمراً مثالياً. وظهر المستعربون من جديد، خلال الحرب العالمية الثانية، كوحدة لها مهام أمنية، تجمع المعلومات وتطلع علي اتجاه التيار في الشارع العربي. ثم قامت البالماخ بإعادة تشكيل وحدة المستعربين مرة أخري، وكان مهمتها زرع أفرادها الذين ينتحلون المظهر العربي في مختلف أنحاء فلسطين للقيام بأعمال القتل والتخريب. فكانوا يدخلون المساجد ويشتركون في الصلاة، ويتجولون في الأسواق، ويجلسون في المقاهي ويشاركون في المؤتمرات. ولم يكتف القائمون علي شأن هذه الوحدات بهذه المهام، بل وضعوا نصب أعينهم وظائف خطرة وأكثر إرهاباً. فنشروا عناصرهم وراء الحدود في مصر والأردن وسوريا ولبنان، وامتزجوا في أماكن عمل رئيسة وحساسة، يجمعون المعلومات الاستخبارية والحيوية مما مكن الجيش الإسرائيلي لاحقاً من العمل بحرية ضد الجبهات العربية كافة، حتى إذا ما سقطت الضفة الغربية وقطاع غزة، لم يكن أمام أرييل شارون إلا أن يستعين بهذه الفرق الدموية لقمع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في أوائل السبعينات. في الانتفاضة، كان الهدف الرئيس للمستعربين ملاحقة نشطاء الانتفاضة الذين أطلقت عليهم سلطات الاحتلال فيما بعد المطاردون لأنهم مطلوبون لأجهزتها الأمنية، ولم يسلموا أنفسهم ونجحوا في الاختفاء. وقد جري العديد من التعديلات علي عمل فرق الموت نتيجة التجارب والعمل الميداني، كما طرأ تعديل كبير علي طريقة عملها أثر تولي الجنرال إيهود باراك لمنصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي عام 1991. إذ استفاد باراك من تجربته ومساهمته في اغتيال ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية وهو متنكراً في زي امرأة، في إدخال تعديلات جوهرية علي المستعربين وإعادة تشكيل هذه الوحدات من جديد لتقوم بمهمة تصفية الشبان الفلسطينيين المطاردين بشكل غير ملفت للنظر وبكفاءة عالية. ولم يبق ذلك الأمر سراً، بل عمد إلي عرض شريط فيديو علي التلفاز الإسرائيلي يظهر أنشطة فرق الموت مما أحدث ضجة كبري في الأوساط المختلفة. جرى إصدار العديد من القوانين التي تسمح لفرق الموت بإطلاق النار دون أن تتعرض للمساءلة القانونية واستهدفت تلك القوانين تخفيف الإجراءات التي يتبعها المستعربون عند ملاحقتهم للشبان الفلسطينيين بحيث يتم إطلاق النار علي المطاردين واغتيالهم وليس القبض عليهم ومحاكمتهم. أشارت تقارير منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية وحتى الأمريكية بأن المستعربين قتلوا عشرات المطلوبين معظمهم ليسوا مسلحين ولا يقومون بأعمال خطرة علي سلطات الاحتلال. ومن أصل (422) شهيداً قضوا برصاص المستعربين بين الأعوام 1988 و2003 كان (229) منهم مطلوبين لسلطات الاحتلال، ولكنهم لم يكونوا جميعاً مسلحين، إذا كان من بينهم (143) شهيداً غير مسلحين لحظة قيام المستعربين باغتيالهم، بنسبة تصل إلي 62.5 بالمائة. تأتي عمليات اغتيال المواطنين الفلسطينيين ضمن سياسة مبرمجة للحكومة الإسرائيلية التي درجت علي استخدامها لهذا الأسلوب، وهذه الوسائل لا تعتبر جديدة علي قادة الإرهاب والحرب في تل أبيب. وما يشجع الحكومة الإسرائيلية علي مواصلة هذه الجرائم هو الصمت الدولي والتعامل مع هذه الجرائم بمعايير مختلفة بالإضافة إلي عدم اتخاذ أي قرارات رادعة من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة، مما يشكل حافزاً للإسرائيليين في الاستمرار في عملياتهم الإجرامية. أعلن أول رئيس للوزراء ووزير الدفاع في إسرائيل ديفيد بن غوريون عن تأسيس الجيش الإسرائيلي بعد نحو أسبوعين من إقامة الدولة، وأمر بدمج كل المنظمات العسكرية وشبه العسكرية بما فيها البالماخ في ألوية وكتائب الجيش الجديد. كما تم، إنطلاقاً من أدوات ما قبل حرب عام 1948، تأسيس بنية سياسية ـ عسكرية ـ أمنية قوية، لا تخضع لأي رقابة برلمانيه أو حكوميه باستثناء سلطة رئيس الوزراء. وعبرت تلك البنية عن بدايات جهازي الموساد والشاباك، الأول للعمل الإستخباري الخارجي والثاني للساحة الداخلية. وهذان الجهازان هيمنا علي المؤسسات العسكرية والأمنية بمجموعها. ومن هنا، اتخذ الإرهاب وأعمال القتل ضد الشعب الفلسطيني شكلاً جديداً حين أصبح إرهاب دولة، ولم يعد إرهاب منظمات متنوعة متباينة في عنفها وحدتها في القتل والإبادة. وسنكتفي هنا بالإشارة إلي نشاط جهاز الشاباك ضد الشعب الفلسطيني الذي بقي متمسكاً بأرضه في الجليل والمثلث والنقب. إذا استغل هذا الجهاز فرض نظام الحكم العسكري علي القري والمدن العربية، الأمر الذي ألزم كل مواطن يرغب في الخروج منها بالحصول علي تصريح حركة من الحاكم العسكري، في إقامة شبكات تجسس واسعة. وكان عملاء الشاباك يعملون علناً في القري العربية، وكانوا في غالبيتهم من المطلعين علي حياة الجماهير العربية، ومن أصحاب الممتلكات والعقارات ومنظمي الصلح بين المتخاصمين، وأصحاب الأعمال. وكان هؤلاء يقدمون خدماتهم مقابل مزايا مثل جمع شمل العائلات، والحصول علي تصاريح بناء وتجارة، وتسريع الإجراءات في مراكز الشرطة، وضريبة الدخل والوزارات الحكومية الأخري. وفي كتابه (مهنتي كرجل مخابرات)، يصف يعقوب بيري رئيس جهاز الشاباك (1988ـ 1995) الفائدة التي جناها من الحياة بين هؤلاء العملاء في بداية عمله حين طُلب منه البقاء عدة أسابيع في منزل أحد المتعاونين مع الشاباك كي يتعلم أنماط الحياة التي يعيشونها وعادات المجتمع العربي ولغته وتقاليده، وهو ما يمكن اعتباره اللبنة الأساسية الأولى في تشكل وحدات المستعربين (ريمون) و(دوفدوفان) و(شمشون). يقول بيري: زكي عبد الله ـ الذي حللت عليه ضيفاً ـ شخصية معروفة في باقة الغربية، لا تعقد صلحة في المثلث دون أن يُدعي للمشاركة فيها. ولم تمض سوي عدة أيام حتي شعرت أن منزل زكي فعلاً، كبيتي، وكنت أذهب علي محل الجزارة الذي يملكه شقيقة الأكبر حافظ وأساعده في أعمال الجزارة. كما كنت أساعد شقيقه فارس في رعاية قطيع الأغنام والأبقار الذي يملكه، وكنت أقضي أياماً معه في الرعي. وأما شقيقه الثالث وجيه، فهو سائق سيارة أجرة، أعتدت مصاحبته في السفرات البعيدة وأُجرى حوارات مع المسافرين، وأزور القري العربية التي لم أزرها في حياتي. بدأت لغتي العربية تتحسن بصورة ملحوظة، وكذلك معرفتي لنمط الحياة العربية، فتعلمت كيفية احترام الوالدين، وكيفية التعامل مع النساء والأولاد، وعرفت ما يأكلونه وما يشترونه. لقد تعلمت الكثير جداً من الأمثال والحكم العربية، وما يقوله العربي تجاه أي حديث من عربي آخر. لقد كان تواجدي هناك بمثابة أفضل جامعة لدراسة الوضع العربي. كان منزله ملتقى أبناء عائلته، الذين كانوا يتداولون الأحاديث بما فيها الأحاديث السياسية، كما كان ضباط من الحكم العسكري يؤمون منزله، ولم يكن أحدهم يعرف أنني يهودي، بل كانوا يظنون أنني عربي، ويتعاملون معي على هذا الأساس. واذكر ذات مرة، أن الجهاز عقد ندوة حوار مغلقة بعد أن غادرت منزل زكي، أمها الكثير من الضباط كانوا يؤمون منزل زكي، ودُعيت أنا أيضا لحضورها، وعندما شاهدنا الحاكم العسكري لباقة الغربية، قال بغضب: كيف سمحتم لهذا العربي بالتسلل إلي الندوة ؟ فقد كان يعرفني بالإسم، الذي منحوه لي آنذاك يعقوب عويسات. وإن كان بيري يكتفي بسرد هذه القصة، والتي يقول أن ثلاثة آخرين من الأغرار في جهاز الشاباك قد عاشوا حياة عربية مشابهة لنحو أربعة أشهر، فإن عاموس مانور رئيس جهاز الشاباك آنذاك يعترف بعد خمسين عاماً من إقامة إسرائيل أن هناك جانباً آخر من الإستعراب المبكر، تمثل في زرع عدة عملاء بأسماء وهويات عربية في القري العربية والبدوية للعمل بين صفوف العرب. وبحسب ما ذكره مانور، فإن هؤلاء المستعربين ينتمون إلى وحدة أبقي وجودها سراً حتي نهاية القرن العشرين، ورغم أن نشاطها إستمر سبع سنوات فقط، غير أن قسم الشؤون الشخصية في الشاباك إستمر في التعامل مع ملفها حتى الثمانينات. فقد قام هؤلاء المستعربون تحت ضغط المحيط الاجتماعي العربي الذي كُلفوا بالاندساس والعمل بين صفوفه إلي الاقتران والزواج من فتيات عربيات، أنجبوا منهن أولاداً في بعض الحالات. وبعد حل هذه الوحدة، طلق بعض المستعربون نساءهم وتخلوا عن أطفالهم في حين أقام الآخرون في القطاع اليهودي مع نسائهم وأطفالهم بعد أن اعتنقوا اليهودية. وبحسب ما يذكره مانور أيضا، فإن وراء فكرة تشكيل وحدة المستعربين هذه كان رئيس جهاز الموساد في حينه إيسار هرئيل. أما قائد الوحدة فيدعى شموئيل موريا، وقد اعترف في مقابلة صحفية بأن إقامة واستخدام هذه الوحدة كانت فكرة خاطئة كما اتضح لاحقاً لكون عملها تسبب بمشكلات صعبة لأفرادها من المستعربين الذين اضطروا إلى إقامة أسر وعائلات خاصة بهم تحت هويتهم العربية المنتحلة. ويضيف موريا بأنهم ـ أي المستعربين ـ كانوا يتحركون لدى حصول (أعمال عنف من جانب الأقلية العربية) حسب تعبيره. امتد النشاط الصهيوني في الخمسينات ليشمل يهود معظم الدول العربية، وخاصة الدول التي تتواجد فيها طائفة يهودية كبيرة كالعراق والمغرب العربي. وكان لفروع منظمة الهاغاناه داخل تلك التجمعات التي يتقن أفرادها اللغة العربية، دور رئيس في ربطها بإسرائيل فيما بعد، مما سهل مهمة الموساد في التغلغل بين العرب. ونظراً إلي أهمية إعطاء صورة عن نشاط المستعربين في الدول العربية كون ذلك النشاط هو المسبب الرئيس في تهجير مئات الألوف من يهود العراق والمغرب وتونس والجزائر، فقد رأينا من المناسب أن نتناول بشيء من التفصيل هذا الموضوع. البداية كانت في العراق حيث رفض اليهود العراقيون الهجرة إلى فلسطين، فما كان من الدولة الصهيونية الجديدة إلا أن تعمل على تهجيرهم بالقوة عبر الأعمال الإرهابية والعدوانية ضدهم، وزرع الشقاق بينهم وبين العرب، موهمتهم أنه لا مجال لهم بالبقاء هناك. فقد كشفت مجلة هاعولام هازية العبرية عام 1966 النقاب عما أسمته فضيحة بغداد، وهي قيام ديفيد بن غوريون بإيفاد وحدة من الموساد إلى العراق في عامي 1950 و1951 للقيام بأعمال التخريب والإرهاب ضد يهود العراق ونسبتها إلي العرب، لحملهم على الهجرة إلى فلسطين. ويشير حاييم كوهين، أحد ناشطي الحركة الصهيونية في العراق، بوضوح إلى مسؤولية المستعربين في إلقاء القنابل اليدوية عندما تباطأت عملية الهجرة في بداية عام 1950. ومن أبرز تلك العمليات، الهجوم بالقنابل اليهودية في 14/1/1951 على كنيس معسودة شخطوف في بغداد، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إشاعة أجواء الخوف في صفوف الطائفة اليهودية. أشاعت الأوساط الإسرائيلية والرسمية العراقية آنذاك، أن مفجري هذه القنابل هم من اللاجئين الفلسطينيين، وتم اعتقال الكثيرين منهم لهذه التهم. ولكن بعد بضعة أشهر علي بدء هذه الاعتداءات، شاء القدر أن يكتشف لاجئ فلسطيني من سكان حيفا كان يعمل بائعاً في مخزن ببغداد ضابطاً يهودياً من ضباط بوليس حيفا يبتاع قميصاً، فأبلغ نسيبه العراقي عما شاهده. فقام هذا بدوره بإبلاغ شرطة بغداد التي بدورها نصبت كميناً وقع فيه الضابط اليهودي بعد ثلاثة أيام مع رفيق له. وتبين أن الأول يحمل وثيقة شخصية باسم منشي سليم منشي تشهد أنه من مواليد بغداد، وأما الثاني فقدم نفسه بأنه تاجر يدعي إسماعيل مهدي صالحون. ورغم اعتراف منشي سليم منشي بأنه المسؤول عن تفجير المؤسسات اليهودية وأنه فعل ذلك بأمر من الحكومة الإسرائيلية، وأرشد الشرطة العراقية إلى مخابئ الأسلحة، إلا أنه جرى إطلاق سراحه وتسفيره إلى قبرص ومن ثم إلي فلسطين المحتلة، وبقي صالحون وآخرون قيد الاعتقال حتى عام 1960، ثم أطلق سراحهم في صفقة أخرى بين شخصيات عراقية وإسرائيلية. وبعد أبحاث واستقصاءات من خلال المصادر الصهيونية، أمكن تحديد هوية المستعرب منشي سليم منشي، قاتل يهود العراق، وإذا به مردخاي بن فورات، الوزير في حكومة مناحيم بيغن الثانية ورئيس الطائفة السفاردية في الثمانينات. وأما المستعرب إسماعيل مهدي صالحون، فقد تبين زيف وثائقه وأن اسمه الحقيقي هو يهودا مرميش تاجار. كما تبين أيضا أن المشرف علي إدخال الأسلحة والمتفجرات من طهران إلى بغداد المدعو ماكس بينيت دخل سوريا ومصر وحتي العراق أكثر من مرة متنكراً في زي قسيس مسيحي، يحمل معه الإنجيل. وفي المغرب العربي، نظم سلومون أزولاي ـ أبرز نشطاء يهود المغرب ـ وحده خاصة ضمت خمسين شاباً يهودياً من المغرب وتونس والجزائر جري نقلهم إلي فلسطين المحتلة سراً عام 1954 حيث شاركوا في دورة تدريب للقادة في الجيش الإسرائيلي، ثم أعيدوا عام 1955 إلى تلك البلدان بعد أن أنهوا الدورة. المستعربون هم كنية أُعطيت لرجال عصابات إسرائيليين تخفوا بلباس عربي أو اتخذوا لهم أشكالاً شبيهة بالعرب الفلسطينيين. وبدأت هذه الفكرة في سنوات الثلاثينيات عندما قامت عصابة (الهاغاناه) بتشكيل فريق من أعضائها للقيام بمهام استخباري وتنفيذ عمليات قتل وتصفية ضد الفلسطينيين. وكان أول مستعرب هو اهارون حاييم كوهين، ومع الزمن حُوّلت فرقة المستعربين إلى دوائر الاستخبارات العامة. وانقطع استخدام المستعربين خلال العقود الأربعة الأولى بعد إقامة إسرائيل ثم تجدد في نهاية الثمانينيات عند انطلاق الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح المستعربون تحت إدارة وتوجيه الجيش الإسرائيلي. وتوجد فرقتان للمستعربين: (شمشون) وهي تعمل في قطاع غزة، ودوفدفان (كريز) في الضفة الغربية. نفذت وحدات من المستعربين عمليات خطف واغتيال لعشرات من نشطاء (فتح) و(حماس) و(الجهاد) والفصائل التابعة لها خلال الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) وهم فرق موت صهيونية تتجول داخل البلدات الفلسطينية بملابس عربية،وحسب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، فإن ‘المستعربين’، هم وحدات عسكرية سرية كانت تعمل في فلسطين والبلاد العربية المجاورة منذ عام 1942، وكان هدف هذه الوحدات، التي كانت آنئذ جزءاً من ‘البالماخ’، الحصول على معلومات وأخبار، والقيام بعمليات اغتيال للعرب من خلال تَسلُّل أفرادها إلى المدن والقرى العربية متخفين كعرب محليين. وكانت هذه الوحدات تجند في المقام الأول، من أجل عملياتها السرية، الصهاينة الذين كانوا في الأصل من البلاد العربية، واعترف شيمون سوميخ، الذي كان قائداً في ‘المستعربين’ خلال السنوات 1942 ـ 1949، بأن الاغتيال كان جزءاً من عمل الوحدات السرية المبكرة. وفي عام 1988 بعثت هذه الوحدات لمواجهة الانتفاضة وكانت تنقسم إلى قسمين: ‘الدفدفان’ (الكرز) وقد أسسها إيهود باراك رئيس حزب العمل، رئيس الأركان السابق، وزير الجيش الصهيوني حالياً، والأخرى تعمل في غزة واسمها السري ‘شمشون’، وهدف هذه الوحدات هو التسلل إلى الأوساط الفلسطينية النشيطة في الضفة والقطاع، والعمل على إبطال نشاطها أو تصفيتها، وعادةً ما يستقل أعضاء هذه الفرق سيارات غير عسكرية تحمل اللوحات الخاصة بالضفة والقطاع ويرتدون ملابس مدنية صنعت محلياً أو ألبسة عربية تقليدية، وقد يرتدي الجنود الشعر الاصطناعي والعكازات المزيفة والثياب الفضفاضة لإخفاء الأسلحة، وفق ما جاء في الموسوعة. وعادةً ما يجيد أحد أعضاء الوحدة الخاصة اللغة العربية وتقوم بالتنسيق والتخطيط مع وحدات أخرى من الجيش الصهيوني ومع جهاز ‘الشين بيت’ الذي يوفر المعلومات والخلفيات في شأن الضحية المقصودة، ويتم دعم هذه الوحدة من أعلى درجات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. ولم يكن إعدام الشهداء الأربعة في بيت لحم والضفة الغربية وهم قائد سرايا القدس الشهيد محمد شحادة والشهيد القائد صالح كركور والمجاهدين عيسى مرزوق وعماد الكامل وأبرز قادة كتائب الأقصى في الضفة الشهيد أحمد البلبول، مساء الأربعاء الماضي، على أيدي وحدات المستعربين في جيش الاحتلال الصهيوني، العملية الأولى لهذه الوحدات بحق المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة. واستناداً لتحقيقات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وشهود العيان، فإنه مساء 12-3-2008، كان الشهداء الأربعة يستقلون سيارة مدنية من نوع ‘دايهاتسو’ صالون حمراء اللون، في شارع جمال عبد الناصر، مقابل مقر البريد القديم ومبنى شركة الاتصالات الفلسطينية، وبجوار مخبز الحرباوي، وسط مدينة بيت لحم، اعترضت طريقهم مركبة مدنية مجهولة النوع، ولكنها تحمل لوحة تسجيل فلسطينية، يستقلها أفراد من الوحدات الخاصة الصهيونية ‘المستعربين’ مسلحين ببنادق أوتوماتيكية وقفز المستعربون من سيارتهم، وعلى الفور فتحوا النار بكثافة شديدة ومن جميع الاتجاهات مباشرة نحو ركاب السيارة الفلسطينية، من مسافات تتراوح بين متر واحد وخمسة أمتار. ونتيجة لذلك أصيب جميع ركاب السيارة المستهدفة بعشرات الأعيرة النارية، وبعضها من النوع المتفجر، في الرأس والصدر، واستشهدوا على الفور بنيران هذه الوحدات التي يتشبّهُ أفرادها بالمدنيين الفلسطينيين، ويشتهر عنها باقتراف جرائم الإعدام الميداني للمواطنين الفلسطينيين، الذين تستهدفهم في عملياتها، وحيث قتل أفراد هذه الوحدات عدداً كبيراً من المواطنين والقادة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الخارج، في إطار عملهم الدؤوب والمتواصل لتصفية القيادات الفلسطينية في الوطن والشتات، مستغلين في ذلك معرفتهم الكبيرة بالواقع والعادات والتقاليد العربية عامة، والفلسطينية خاصة. وكشفت مصادر أمنية أن هؤلاء المستعربين يعيشون في قرية هي نموذج يشبه القرى، شيدها جيش الاحتلال، ليتدرب فيها أفراد المستعربين على نمط الحياة الفلسطينية، وعادات وتقاليد أهل الضفة والقطاع، حتى لا يثيروا الشكوك في شخصياتهم عندما يقومون بأعمال اختطاف واغتيال داخل المجتمع الفلسطيني. وفي قطاع غزة، يعاني مواطنوا المنطقة الشرقية المتاخمة للخط الفاصل شرق القطاع، من ممارسات هذه الوحدات التي عادة ما تستبق عمليات التوغل للاحتلال وتقتحم هذه المناطق وتستولي على منازل المواطنين وتخضعهم لعمليات تحقيق وتختطف عدداً كبيراً منهم وتنقلهم للتحقيق في سجون الاحتلال. وفي عام 1988 بعثت هذه الوحدات لمواجهة الانتفاضة وكانت تنقسم إلى قسمين: ‘الدفدفان’ (الكرز) وقد أسسها إيهود باراك رئيس حزب العمل، رئيس الأركان السابق، وزير الجيش الصهيوني حالياً، والأخرى تعمل في غزة واسمها السري ‘شمشون’، وهدف هذه الوحدات هو التسلل إلى الأوساط الفلسطينية النشيطة في الضفة والقطاع، والعمل على إبطال نشاطها أو تصفيتها، وعادةً ما يستقل أعضاء هذه الفرق سيارات غير عسكرية تحمل اللوحات الخاصة بالضفة والقطاع ويرتدون ملابس مدنية صنعت محلياً أو ألبسة عربية تقليدية، وقد يرتدي الجنود الشعر الاصطناعي والعكازات المزيفة والثياب الفضفاضة لإخفاء الأسلحة، وفق ما جاء في الموسوعة. وعادةً ما يجيد أحد أعضاء الوحدة الخاصة اللغة العربية وتقوم بالتنسيق والتخطيط مع وحدات أخرى من الجيش الصهيوني ومع جهاز ‘الشين بيت’ الذي يوفر المعلومات والخلفيات في شأن الضحية المقصودة، ويتم دعم هذه الوحدة من أعلى درجات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. موقع DAY PRESS، 26/3/2010 |
0 التعليقات:
إرسال تعليق