كيف ننقذ القدس والأقصى؟
نستطيع أن نقترح عددًا من الإجراءات البسيطة العاجلة المتباينة التي نواجه بها مخطط إسرائيل.
أولاً: السماح بمظاهرات مليونية في العواصم والمدن العربية والإسلامية بقرار من الجامعة والمؤتمر الإسلامي.
ثانيًا: أن تثبت الحكومات العربية والإسلامية الجدية لإسرائيل بوقف كلِّ صور التعاون معها، ومقاطعة الشركات التي تساهم في الاعتداء على القدس والأقصى والتهويد.
ثالثًا: تخصيص مساحة في الإعلام العربي والإسلامي تلح على ضمير المواطن في كلِّ مكان في العالم.
رابعًا: سحب قرار الموافقة على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل.
خامسًا: إنشاء صناديق لدعم صمود أهالي القدس، وتقدم رجال الأعمال العرب والمسلمين لشراء المساحات التي يشتريها اليهود.
سادسًا: عقد جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لمراجعة موقف إسرائيل ووضعها ومخططها، والمطالبة بمقاطعتها عالميًّا، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
سابعًا: حثُّ الحكومات ذات العلاقات مع إسرائيل في العالم العربي والإسلامي إلى عدم تبادل الزيارات أو إظهار أيةِّ مظاهر طبيعية للعلاقات مع إسرائيل.
إذا ضاع الأقصى فلا قيمةَ بعد ذلك لمنظمة المؤتمر الإسلامي، كما أن الحكومات التي تملك حماية الأقصى هي التي تتحمل مسئولية السكوت، وقمع شعوبها عن العمل بوسائلها؛ لحماية الأقصى المبارك.
فلم يعد خافيًا شيءٌ على أحد حتى نضيع الوقت في استكشاف ذلك الشيء المبهم، ولم يكن ذلك أيضًا خافيًا منذ استقرار المشروع الصهيوني على أرض فلسطين بقرار التقسيم عام 1948م.. فقد ظلَّ المشروع يتمدد ويمهد لنفسه الأرض العربية أولاً ثم الفلسطينية ثم فصل النطاقين ثم أضعف كلاًّ منهما، وأوقع كلاًّ في الآخر طوال العقود الستة الماضية.
وكان عذرنا في العقدين الأولين أن الاستعمار تحالف مع الصهيونية، وبعد تحرر البلاد العربية ثم حريق المسجد الأقصى وانضمام المسلمين إلى العرب في معركة الأراضي والأماكن المقدسة عام 1969م في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، وانقسم الفكر العربي حول المشروع بين مَن نظر إليه في حدود أن إسرائيل دولة عادية، فالصراع هو حول الحدود، ومَن نظر إليه على أنه صراعٌ على الهوية والوجود، وأن المشروع يستهدف الوجود العربي ذاته.
وبعد ضرب المشروع القومي عام 1967م استسلمت المنظمة بقيادة مصر إلى نظرية صراع الحدود، وكأن إسرائيل تريد فعلاً أن تعيش جنبًا إلى جنب مع الفلسطينيين، وفي كنف العرب، ولم يُدرك هؤلاء أن المشروع الجاهز يستهدف الجسد العربي كلَّه انطلاقًا من فلسطين.
هكذا تراخت المنطقة واستكانت بضغط الفكر البراجماتي العربي المختلط بالاقتراب المصلحي من الغرب، وظل التراجع في حلقات؛ حتى تمكنت إسرائيل من العالم العربي، ومن الساحة الفلسطينية، وانصراف العرب والمسلمين بعد 2001م كلٌّ إلى حال سبيله، كما تمكنت إسرائيل ومشروعها من القرار الأمريكي والدولي، وأصبحت على واقع بالغ المرارة، عالم عربي تعاني دوله من أزمات الحكم في الداخل، والوحدة الوطنية داخل المجتمع، وتمزق معظم الروابط العربية، ثم استهدف الداخل العربي بالتمزيق والتفتيت.
في هذا الواقع المثالي الذي فككت فيه إسرائيل علاقة العرب بالقضية، وصرفهم عن دعم المقاومة، وجريهم وراء سراب السلام، وعجزهم عن تحقيق المصالحة الفلسطينية، وكذلك عجزهم عن مساندة غزة ضد الحصار الخانق، وخوفهم من إسرائيل.
ثم كان ثالثة الأثافي وهو قرار وزراء الخارجية العرب يوم 3 مارس 2010م الذي قدَّم لإسرائيل غطاءً ممتازًا بالترخيص لأبو مازن بالتفاوض مع إسرائيل بشكل غير مباشر ولمدة أربعة أشهر، بينما إسرائيل تهمُّ بتهويد معظم القدس، كما توشك على هدم الأقصى المبارك.
والحق أن فلسطينيي الداخل الذين أرهقهم الاحتلال، ويضيق الحياة عليهم؛ حتى يتركوا الأرض لإسرائيل لا يستطيعون مواجهة المخطط الإسرائيلي الذي تسانده واشنطن بشكل مطلق، ومن الظلم أن يتحملوا وحدهم عبء الدفاع عن الأقصى الذي يهم كلَّ العرب، وكلَّ المسلمين، فلم يعد في الأمر لغز نستجليه، كما أن مجرد الاحتجاج لا يُجدي فتيلاً أمام معاول الهدم والدبابات الإسرائيلية، فكيف نوقف هذه الهجمة التاريخية التي تلتهم المقدسات بنسبتها علنًا إلى اليهود؟ ووضع اليد عليها بالقوة، وكيف نترجم قوة العرب والمسلمين في خطوات عملية قادرة وفعالة في مواجهة هذا الطوفان الصهيوني؟
لقد اقترح البعض في فلسطين ومصر من رجال الدين زيارة الأقصى لدعم صمود المقدسيين، ولكن عيب هذا الاقتراح أنه يؤدي إلى التطبيع مع إسرائيل، فتكون الزيارات ستارًا ممتازًا، ودعاية مجانية لإسرائيل بأنها تؤمن زيارات الأماكن المقدسة، ولا يهم بعد ذلك مَن يسيطر على القدس والمقدسات.
يجب أن نطرح سؤالاً يحتاج إلى إجابة واضحة رغم أن المؤشرات تعطي الإجابة الافتراضية وهي: هل العرب والمسلمون عازمون حقًّا على إنقاذ الأقصى ؟
ولكنهم خائفون أو عاجزون أو ضائعون أو مترددون أو لا يعرفون كيف يتم ذلك؟
أخشى أن المؤشرات في المواقف العربية والإسلامية تشير بصراحة إلى افتقاد العزم، وسيطرة الوهن الذي حذَّر منه الرسول الكريم، وهو حب الدنيا وكراهة الموت، ولكن هل يستطيع العرب والمسلمون أن يتحملوا السكوت والأقصى يستصرخ مروءتهم؛ مما قد يستثير شبابًا يقدم على أعمال لا تقدر الحكومات على السيطرة عليهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق