بتاريخ : الأربعاء 24-02-2010 02:13 مساء
ما سمعناه أمس الأحد حول ضم المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم إلى قائمة المواقع التراثية اليهودية ليس الا خطوة أخری في اطار سياسة تهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين لكنها تعتبر في نفس الوقت قفزة خطيرة ذات دلالات مرحلية واستراتيجية واضحة تتجاوز أحيانا أطر السياسة الإسرائيلية التهويدية المعروفة.
الكيان الصهيوني ومنذ بداية تأسيسه حتی وقتنا الحاضر يسعی علی قدم وساق الی تهويد كل ما هو فلسطيني انسانا وأرضا وتراثا ومقدسات وفي هذا السياق قتل وهجر الآلاف من الفلسطينيين واغتصب واحتل الأراضي الفلسطينية كلها ودمر وأحرق آلاف البيوت والمساجد ودور العبادة وغيرها من الأماكن المقدسة سواء الإسلامية أو المسيحية. لاشك أنها عملية إحلالية وتهويدية ممنهجة تقوم بها اسرائيل علی مرأی ومسمع العالم في ظل صمت عربي واسلامي ودولي مطبق وتواطؤ السلطة الفلسطينية وخدماتها المكشوفة للصهاينة عن طريق مطاردة واعتقال المجاهدين في الضفة الغربية والتنسيق الأمني الخطير مع المحتلين ومحاولاتها لتقديم ما تبقی من فلسطين علی طبق من الذهب لمن حرضوهم علی مواصلة الحرب ضد أبناء شعبهم في غزة أيام حرب الفرقان. وبغض النظر عن هذه الأشياء فإن هنالك أهداف مرحلية واستراتيجية لهذه الخطوة الجديدة وما سبقتها مؤخرا من إجراءات بالغة الخطورة في القدس ومناطق أخری. فتتمثل الأهداف المرحلية لهذه الخطوة في النقاط التالية:1. الاستخفاف بالمفاوض الفلسطيني وإرباكه من خلال إحداث توترات في الأراضي الفلسطينية لأجل إجباره علی تقديم ما بقي من تنازلات لم يحصل عليها الإسرائيليون حتی الآن في أي مفاوضات قادمة والتي تتمثل بإلغاء حق العودة والتخلي عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة وقضايا أخری وجعل المفاوض الفلسطيني العودة الی مفاوضات عبثية بلا شروط وتحت إطار الوقائع المفروضة علی الأرض ووفق السياسة الصهيونية.
2. تحويل الأنظار عما يجري في القدس خاصة في محيط المسجد الأقصی المبارك وداخله وتحته من حفريات واقتحامات واعتداءات منظمة وذلك لتسهيل مهمة المؤسسة الإسرائيلية والتغطية علی ما تقوم بها هذه المؤسسة ضد المقدسات الإسلامية في القدس وتهجير سكانه وتدمير ممتلكاتهم وماضيهم وحاضرهم.
3. صرف الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام والحكومات الغربية عن تداعيات فضيحة عملية اغتيال الشهيد المبحوح والتي جلبت للكيان الصهيوني انتقادات رسمية وشعبية واسعة في الأوساط الغربية خاصة الأوروبية إثر استخدام الموساد جوازات سفر مواطنيين أوروبيين في هذه العملية وتحجيم تفاعلات هذه القضية حيث أنها يوما بعد يوم تتطور وربما تتحول في المستقبل القريب الی أزمة دبلوماسية صهيونية أوروبية إن إستمر الكشف اليومي عن تفاصيل وحيثيات جديدة للعملية من قبل شرطة دبي. حتی الآن لم نشهد من الإتحاد الأوروبي موقفا صارما إتجاه اسرائيل بعد هذه الفضيحة لكن إذا استمرت تفاعلات القضية وكشفت شرطة دبي عن تفاصيل أخری لهذه العملية كما وعدت فمن الممكن أن تشهد الأيام القادمة مفاجئات علی هذا الصعيد خاصة إذا تحرك الرأي العام الأوروبي ضد ما قامت به اسرائيل من تزوير جوازات سفر خوفا علی تكرار مثل هذه الأحداث وإستخدام جوازاتهم مرة أخری بما يمكن أن يهدد حياتهم في المستقبل.
4. تهديد مبطن للولايات المتحدة والأوروبا والمجتمع الدولي مفاده أن إسرائيل ستواصل سياساتها التهويدية والاستيطانية والتوسعية في ظل عدم تحرك جاد إزاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمنعها من التقدم في الحصول علی التقنية النووية المتطورة ، و الكيان الصهيوني من خلال هذه الممارسات والتي وصلت ذروتها في الأشهر الماضية يريد أن يقول للغرب والولايات المتحدة الأمريكية أنه لا تعليق ولاتوقيف للإستيطان والتهويد ولا عودة للمفاوضات إلا بعد الضغط وفرض عقوبات شديدة علی إيران وجعلها تخضع للشروط الغربية وبالتالي يمكن القول أن هذا الكيان يربط مواصلة ممارساته هذه وعدمها بمدی تحرك أممي ضد إيران.
ومن ناحية أخری فإن إسرائيل ترمي الی تحقيق أهداف إستراتيجية علی المدی البعيد من خلال استمرار هذه الممارسات خاصة بعد ما أعلنت عن ضم المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح الی ما يسمی التراث الإسرائيلي. فيمكن حصر هذه الأهداف الإستراتيجية في نقطتين رئيسيتين:
الأول: شطب الهوية الفلسطينية العربية والإسلامية من خلال تدمير ما ورثه الإنسان الفلسطيني من الماضي وخلق حاضر ومستقبل منعزلين عنه وبالتالي تفريغ فلسطين مما يرتبط به العرب والمسلمون ثقافياً ودينياً حتی لايری الأجيال المسلمة في المستقبل وجودا لمعالم علاقته التاريخية والدينية في فلسطين إلا في كتب التاريخ.
الثاني: التمهيد لتدمير أهم المقدسات الإسلامية في فلسطين وهو المسجد الأقصی المبارك . العدو الصهيوني يحاول من خلال ضم المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح الی قائمته التراثية جس نبض الشارع الإسلامي ليری حدود رد فعله حيث بهذا الإجراء يختبر نوايا المسلمين تجاه مخططاته الرامية إلى تقويض المسجد المبارك وبناءً على ردود الأفعال ، سيحدد الكيان الصهيوني إحداثيات أفعالها المقبلة، ومن هنا تظهر أهمية دور العالم الإسلامي والعربي رسميا وشعبيا لإحباط هذه المؤامرة وعدم السماح للكيان الصهيوني بفرض مزيدا من الوقائع الكارثية علی الأرض ومنعه من الإستمرار في سياساتها الإحلالية والتهويدية في فلسطين بغضب عارم يتجاوز حدود الدول العربية والإسلامية.
ولا شك أنَّ الوهن العربي والإسلامي الرسمي وإنقسام البيت الفلسطيني أعطی فرصة كبيرة للصهاينة للقيام بما يريدون تحقيقه حاليا ومستقبليا. فمن هنا علی المسلمين والعرب حكومات وشعوبا أن يقفوا موقف الدفاع عن مقدساتهم وتاريخهم في فلسطين ولايكتفوا ببيانات إستنكار وتنديد فحسب بل يتحركوا في كل الإتجاهات للتصدي أمام الممارسات الصهيونية وسياساتها وجعل العدو يحسب ألف حساب قبل القيام بأي خطوة مستقبلية في هذا الاتجاه. فلو لا صمتنا الرهيب وردنا الضعيف لما تجرأ الصهاينة فعل كل هذا وشن حروب وقتل الأبرياء ، فهل ننتظر حتی يقوم الهولاء بضم المسجد الاقصی الی ما يسمی بالتراث اليهودي أو تدميره وبناء الهيكل المزعوم علی ركامه. ألا يكفي ضياع الجزء الأكبر من أرض فلسطين ومقدساتها؟ فلماذا كل هذا الصمت المخجل؟ ولصالح من؟ ألم يستغله الكيان الصهيوني لفعل ما فعله خلال أكثر من ستة عقود من احتلال فلسطين والأراضي الإسلامية من قتل الأطفال والنساء والشيوخ؟ فكفانا ما حدث، فكفانا ما سلب منا بالحرب ويسلب اليوم بالسلام الوهمي، وأخيراً كفانا ذلا وهونا
0 التعليقات:
إرسال تعليق