مفارقات بين كنيس الخراب وتخريب الديار

.


مفارقات بين كنيس الخراب وتخريب الديار

بقلم: أ.د. صلاح الدين سلطان

إن إقدام الصهاينة على بناء كنيس الخراب وافتتاحه على بُعد أمتار من المسجد الأقصى يوم الإثنين 29 ربيع الأول 1431هـ، الموافق 15/3/2010م، ثم وضع حجر الأساس في اليوم التالي له؛ هو مقدمةٌ- بإذن الله- لما قاله تعالى في سورة بني النضير (الحشر): ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)﴾ (الحشر).

وقد ذهب جمهور الأصوليين إلى أن مشروعية القياس تبدأ من هذه الآية، فلعلَّ من شؤم الطالع على الصهاينة أن يسمُّوا كنيسهم بـ"كنيس الخراب"؛ ليكون مقدمةً بإذن الله لخراب بيوتهم، وانهيار كيانهم، وذهاب شوكتهم بأيديهم أولاً، ثم بأيدي المؤمنين ثانيًا، كما تنص الآيات من سورة الحشر، والعجيب في هذه السورة أنها تبدأ بآية: ﴿سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)﴾ (الحشر) وتنتهي أيضًا بمنهج التسبيح لله في قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)﴾ (الحشر) وما بينهما حديث عن بني النضير الذين همُّوا باغتيال النبي صلى الله عليه وسلم فأعلن عليهم الحرب في اليوم نفسه دونما تأخيرٍ أو إبطاءٍ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى أحدكم في المدينة عشرة أيام إلا ضربت عنقه"، والنتيجة هو الجلاء، والخروج صاغرين، وصارت أموالهم فيئًا للمسلمين.


وكأن آيات الحشر تنادينا اليوم- حكامًا وعلماءَ وشعوبًا-: ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: من الآية 7)، فالجهاد هو السبيل، والمفاوضات هي الضلال، والمقاومة هي الطريق، والمسالمة هي الفسوق، لكنَّ السورة عادت تتحدث عن فريقين: فريق مجاهد مقاوم، وهم الذين: ﴿تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ (الحشر: من الآية 9)، وهم خيار الأنصار وصالحو المهاجرين، وفريق المنافقين الذين تحالفوا مع يهود بني النضير بقيادة عبد الله بن أبي بن سلول، وهؤلاء تفضحهم السورة بأنهم مثل الشياطين؛ حيث يقول سبحانه: ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12)﴾ (الحشر)، وكأن القرآن لا يصوِّر مجتمع المدينة- بمن فيه من يهود غادرين معتدين، ومنافقين من الخونة المتخاذلين، والمجاهدين من المؤمنين- بل يصور الواقع في أرض فلسطين، والخونة من العملاء العرب المستسلمين، ويقاومهم المجاهدون في أرض فلسطين وأنصارهم في أمة الإسلام والمسلمون، ثم دعوة إلى التقوى والنظر إلى الغد الآجل، لا إلى العرض العاجل، وألا ننسى الله القويَّ المتين فنعود إلى الضعف والهوان صاغرين، وأنه يجب أن يتميز أصحاب النار عن أصحاب الجنة كما قال تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ (20)﴾ (الحشر)، ثم دعوة إلى النزول على حكم القرآن، خشوعًا وفهمًا وتفكرًا وامتثالاً، مع حسن الامتثال لله، عالم الغيب والشهادة، الملك القدوس السلام المؤمن المهمين العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور، ثم تُختم الآيات بما بدأت به ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (الحشر: من الآية 24)، فقد عزَّ فحكم، وبقي على أمتي أن تثق مرةً في ربها، وأن تُعلن الجهاد على أعدائها، وأن تخرِّب على الصهاينة ديارهم مع اليقين بأن الله هو القويُّ المتين، العزيز الحكيم.

هذه سورة واحدة من خمسين سورةً في القرآن تحدثنا عن بني إسرائيل، ولم يبقَ إلا فهم هذا المنهج الرباني وتفهيمه، ولنقرأ كتاب الشيخ الجليل عبد الستار فتح الله سعيد "معركة الوجود.. بين القرآن والتلمود" ليكون العلم قبل العمل، ثم دراسة السيرة النبوية وتدريسها، خاصةً في الغزوات الأربع: بني قينقاع، والنضير، وبني قريظة، وخيبر، ولنتذكر جيدًا أن هؤلاء اليهود جميعًا لم يكونوا محتلِّين مثل صهاينة اليوم، لكنهم قوتلوا لغدرهم ونكثهم العهود، فقوتلوا وأُخرجوا جميعًا، وكان شعار آخر موقعة معهم في غزوة خيبر "الله أكبر.. خربت خيبر.. إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذَرين".

ألا فليحيا الجهاد، ولتمُت المفاوضات، ولينزل رجال الأمة ونساؤها وشبابها وفتياتها منزل الرسول وصحبه؛ ليخرب "كنيس الخراب" والكيان الصهيوني على أهله، ويرتدَّ الغدر على قومه.. ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (20)﴾ (إبراهيم).

وجهادنا اليوم تبرُّعٌ بالمال، وصومٌ، ودعاءٌ، وقنوتٌ للواحد المتعال، ورسائل بالبريد الإلكتروني، ومظاهرات، ومحاضرات، وندوات ومقالات، وخطب، ودروس، ودعوة، وتربية، واستعداد للنزال.. للشيب والشباب والنساء والأطفال، ولا يحقرنَّ أحدنا نفسه؛ فإن "البعوضة تُدمي مقلة الأسد"، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ويجزي في الخير والشر على مثقال الذرة، ونحن يا أمتي مليار ونصف المليار، والصهاينة بضعة ملايين، فلو تفلت الأمة عليهم لأغرقتهم، فكيف إذا صوَّبت كلامًا أو سهامًا، والحرب أولها كلام، وآخرها إحدى الحسنيين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق


واجبنا تجاه الاقصى ...د. صلاح سلطان

الاقصى يستغيث

الاقصى يستغيث

الاقصى يستغيث

الاقصى يستغيث

دافع عن الاقصى

كشف المستور على الجزيره

كشف المستور على الجزيره

الجزيره كشف المستور عن الوثائق السريه

السلطة الفلسطينه تفاوض على ترك حى الشيخ جراح الملاصق للمسجد الاقصى