يعتبر تيدي كوليك رئيس بلدية الاحتلال في مدينة القدس الأسبق الذي توفي قبل عامين أحد أبرز قادة الحركة الصهيونية على الإطلاق، ولم يكتسب كوليك مكانته الكبيرة في سلم القيادة الصهيونية بفضل جهوده في مجال تهويد مدينة القدس فقط، ومسئوليته عن مضاعفة مساحة المدينة عدة مرات منذ العام 1967 ببناء المزيد من الأحياء الاستيطانية، بل أيضًا بفضل سجله الكبير في العمل الأمني والاستخباري، علاوة على حقيقة أنه كان أوثق مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفيد بنجوريون، لكن جانبًا هامًّا من تفكير كوليك في السنوات القليلة قبل وفاته -والذي كان غائبًا عن الجمهور الإسرائيلي- كشف عنه النقاب صديقه رجل الأعمال يوسي أهارونوش الذي قال في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية أن كوليك أقبل في السنوات الأخيرة بعدما أنهى منصبه كرئيس للبلدية على دراسة تاريخ المدينة، حيث أن أكثر ما أصابه بالفزع هو نجاح المسلمين في فتح المدينة وبقية فلسطين في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وتمكن المسلمون من الحفاظ على المدينة لقرون طويلة، وينوِّه أهارونوش إلى أن كوليك توقف مليًا عند حرص عمر بن الخطاب على القدوم شخصيًّا لتسلم مفاتيح القدس، معتبرًا أن هذه الخطوة الذكية تجعل الأجيال المسلمة حاليًّا وفي المستقبل ملتزمة بالعمل على إعادة تحرير المدينة وطرد الإسرائيليين منها، علاوة على أن خطوة عمر مثلت مصدرًا لأسلمة القضية الفلسطينية، ويضيف أهارونوش "تيدي الذي لم يكن من السهل أن يشعر بالإعجاب تجاه أي زعيم، مات وهو شديد الإعجاب بشخصية عمر بن الخطاب وحرص على دراسة سيرته، وكان يعتبره رجل دولة وصانع قرار من الطراز الذي قلَّما عرفه العالم على مر العصور"، وأوضح أهارونوش إلى أن دراسة تاريخ المدينة المقدسة جعلت كوليك قبل وفاته أقل ثقةً بمستقبل المشروع الصهيوني".
إنهم يحاولون منع مولد صلاح الدين من جديد:
كان الجنرال شلومو باوم يوصف بأنه أسطورة الجيش الإسرائيلي، وكان يعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفيد بنجوريون " مفخرة الدولة اليهودية "، بينما قال عنه آرئيل شارون: إنه "آلة حرب متحركة تتجسد في جسم بشري"، وبالرغم من أنه خدم 35 عامًا في الجيش إلا أنه رفض بإصرار الحصول على إجازة ولو ليوم واحد، شارك في أكثر من ألف عملية عسكرية، معظمها خلف مواقع القوات العربية، اشتهر بتنفيذ مجزرة " قبية " 1954 تحت إمرة شارون، علاوة على اشتهاره بالقسوة الشديدة في تعامله مع العرب الذين وقعوا في أسره، وكانت سيرته الذاتية تدرس لطلاب المدارس وكثير من شعراء إسرائيل تغنوا بـ " بطولاته ".
وعندما حلت ذكرى وفاته نشر الكاتب الإسرائيلي حاييم هنغبي مقالًا في صحيفة " معاريف " كشف آفاقاً أخرى في شخصية باوم، حيث يشير أنه لكثرة ما سمع من إطراء على باوم قرر التعرف عليه بعد تسرحه من الجيش للتعرف على الدوافع الكامنة وراء "معنوياته العالية، وشعوره المطلق بعدالة ما يقوم به".
ويضيف هنغبي أنه عندما توجه إلى باوم في شقته، وجد إنساناً آخر غير الذي سمع عنه، وجد شخصاً قد تملكه الخوف واستولى عليه الهلع واستبد به القلق، ويشير إلى أنه عندما سأله عن سر دافعيته الكبيرة لقتال العرب وحرمان نفسه في سبيل ذلك من الراحة لعشرات السنين، فإذا بباوم يصمت هنيهة، ثم يقوم من مجلسه ويحضر ملفاً كبيراً يأخذ بتقليب صفحاته، ثم يقدمه لهنغبي، ويقول: "هل سمعت عن الحروب الصليبية، هل سمعت عن معركة حطين، هل سمعت عن شخص يدعى صلاح الدين".
يقول هنغبي: "عندها قلت له مستنكراً: لكن العالم العربي الآن في أقصى مستويات الضعف في كل المجالات"، فيضحك باوم ساخراً، ويقول: "لقد كانت أوضاع المسلمين قبل معركة حطين تماثل من حيث موازين القوى أوضاع العرب حالياً"، وكما يؤكد هنغبي فإن باوم لم يفته أن يذكر أن الدويلات العربية التي كانت قائمة في ذلك الوقت تقوم "بدور كلاب حراسة للممالك الصليبية"، أما عن سر قلقه، فيقول باوم: إن أكثر ما أزعجه من دراسة تاريخ الحروب الصليبية هو قدرة صلاح الدين على بعث نهضة العرب من جديد وتنظيم صفوف قواته بعكس المنطق الذي تمليه موازين القوى العسكرية.
ويواصل باوم شرح مخاوفه كما رواها هنغبي قائلاً: "منذ عشرين عاماً وأنا أحاول رصد الأسباب التي جعلت المسلمين يحققون هذا النصر الأسطوري وفق منطق العقل والتحليل العسكري، وإن ما جعلني أتعلق بالحرب هو حرصي على أن أقوم بكل شيء من أجل عدم تهيئة الظروف لمولد صلاح الدين الأيوبي من جديد، إنني أعيش في خوف دائم على المشروع الصهيوني".
0 التعليقات:
إرسال تعليق